الاثنين، ٢٨ يناير ٢٠٠٨

غربت شمس..لتشرق أخرى

غربت شمس..لتشرق أخرى..!!


"في وداع الحكيم"

 

توفيق الحاج


*

رحل الرفيق..

و" اللد " لم تضمه بعد للمرة الأخيرة كما حلم يوما..!!

رحل الرفيق..

 والحلم يبقى تركة ثقيلة في ليل طويل تنتظر..

كان الرحيل متوقعا ..لكننا أخذتنا الرجفة لفراق أب  لن يتكرر..

لقد غربت شمس نحن أحوج ما نكون الآن إليها في حلكة البغضاء والفتن

نعم لقد غربت شمس حمراء قانية..لتشرق أخرى..!!

 

*

سألني لي رفيق مشاكس ذات يوم..

أيهما أحب إلى قلبك غسان  أم أبي ميساء..؟!!

قلت :وكيف لي أن أفاضل بين روحي وعقلي..؟!!

كان غسان روحي التي..تعشق.. تقاوم.. تؤمن..تبدع.. تغني للفقراء في كل مكان

وكان الحكيم عقلي الذي يدقق..يكتشف..يحلل..يربط.. يستنتج ..

وكان الاثنان تاريخا نقيا.. طاهرا.. مفعما بذكريات القوميين العرب وعبد الناصر ووديع حداد وأبي علي مصطفى..و...و...من الرفاق.. الرفاق..!!

لقد اعتمرت كوفية الحكيم الحمراء التي تقارب  إجلالا دم قوافل الشهداء العابرة ليل القهر إلى برزخ الحق و البقاء.

وعشقت سيرته المضاءة بالقناديل..عشقي للوطن والثورة التي تنتحب..

فأيما وليت وجهي ..أراه شامخا ..صادقا..

وأيما قلبت صفحات تاريخ المقاومة ..أجده سيفا مشرعا  في وجه باطل ..لم يلوث  بدم الأخ البريء أيام القبائل..!!

 

*

كثيرون هم الذين مروا..بلا أثر

كثيرون ..من حاولوا أن يلبسوا عباءته فبدوا على غبائهم مضحكين ..

وكثيرون من عاندوا بصلف وتعال حكمته فكانوا الخاسرين..

وكثيرون من تجاهلوا  بأنانياتهم  بوصلته ..فصاروا آثمين..!!

ولكن  الرفاق الأوفياء بقوا ولا زالوا على العهد معه..ليفوزوا باليقين..!!

 

لقد كان الحكيم قبلنا وبيننا وبعدنا واضح الهدف.. ملهما للثورة فكرا وممارسة..

علمنا أن نكون في زمن الردة..الأقوياء بالإرادة..والتواضع ..وشرف الخصومة..!!

لذلك  كنا وسنكون الأوفياء للغاية والطريق..

 

*

أيها الرفيق..

ما أحلك الليل..!!

ما أصعب المفارقة..!!

وأنا أتأمل العباءات..الوجاهات.. في التلفاز..وأقارن الضوء بالرماد..أكتشف كم افتقدناك..!!

لقد ذكرتني بخالد .. على فراش الموت رغم ما تخطى من حروب..!!

ذكرتني بأبي الذي مات دون أن يعود إلى قريته..

دمعة حرى ..ليست للبكاء

إنما هي عهد للوصية  أن نواصل ..

فالحق لن يخذل الأحفاد إن حافظوا كما أنت على..

طهارة المقاتل..!!

 

*

أيها الرفيق ..

يا جرحي المكابر..

لا أقول وداعا ..وكيف أقولها وأنت لا تزال فينا..لم تغادر ..!!

 


الخميس، ٢٤ يناير ٢٠٠٨

هم التجار ..ونحن البضاعة

أنا وبلا فخر أو عرنطة من قطاع غزة المحاصر..أعيش فيه منذ ولدت..ولم أغادره إلا لأسابيع قليلة إلى مصر.. هواؤه يسبح في رئتي.. ونبضه في دمي.. أعشق تتابع الفصول الأربعة على وجهه المعروق..وأعشق أكثر ضحكات أطفاله الصافية وحياء صباياه وقصص المسنين في حواريه..!! لا أحس بوجودي إلا على ترابه ولا أتخيل أن يزايد علي أحد مهما كان في حبه ومن هنا كان لابد أن أكتب ما يمليه على ضميري في شأن يخصه وجعله يتصدر نشرات الأخبار ويستحق البكاء على الهواء من خديجة بن قنة والصراخ المشبع بالألم من جمال ريان ولسان الحال يقول :الحقوا..يا ناس..!! نعم إن قطاع غزة يختنق .. نعم إن قطاع غزة يعيش الآن في ظروف خمسمائة سنة إلى الوراء..!! الطرق الموحشة..العتمة شبه الكاملة.. الكآبة القلق..التوجس الشموع..القصف..طنين طائرات الاستطلاع....150صاروخ أطلقت نحو سديروت نتج عنها إصابات طفيفة بينما يصعد فورا أربعة شهداء من صاروخ إسرائيلي واحد..!! أخبار عاجلة عن سقوط أسرة بكاملها شهيدة لمجرد خطأ في التوجيه من طيار محترف حسب رواية جيش الدفاع..!! قافلة من المرضى تسافر بهدوء إلى بارئها دون الحاجة إلى معابر..وقائمة الانتظار في تزايد!! كل هذا وأكثر في قطاع غزة..وهذا الذي يعرفه أهلنا وعربنا في الخارج ويشاهدونه في الفضائيات كما المسلسلات الرمضانية بصحبة الشيشة أو فنجان النسكافي قرب المدفأة ولهذا من الطبيعي أن تثور حمياتهم و تنتفض نخواتهم للخروج من غرف النوم إلى الشارع للتنفيس عن الغضب الساطع بالهتاف ..يسقط..بعيش.. وانتهى الأمر.. ومن الطبيعي أن تجد قناة اخبارية فقدت عذريتها وموضوعيتها منذ زمن تشمر عن ساعديها وتغطي الاحداث بلون وطعم الإمارة..!! حتى بدت وكأنها ناطق رسمى أو وزارة اعلام للجهة التي تنال رضا قطر..!! في خضم هذه المعمعة شاهدت صحفيا ثوريا تنتفخ أوداجه ويكاد ينفجر زعيقا في فضائية خاصة فيشتم ويخون ويلوح بسيفه الدونكيشوطي شمال يمين ويصرخ بأمته.. حتى خشيت والله أن يطق له عرق ..فيموت فيها،وهو يعلم تماما أن أمته ودعت كجدته من زمان فغصا تحت نعال الحكام المماليك وقرأنا خبر نعيها بأكثر من لغة وصورة ومشهد.. مرة في مذبحة مخيم جنين ومرة أخرى في أثناء حصار المرحوم"عرفات" الطويل في المقاطعة..!! والمصيبة ان هذا الصحفي المفوه نسي أن السفارة لاتزال في العمارة وهو-يدري أو لا يدري- انما يحاول صب الزيت على النار وينفخ فيها بين الفلسطينيين حين يصنفهم بين نبلاء وعملاء.. وإحنا مش ناقصين فتن..!! وقرأت في نفس الاتجاه رسالتين مدويتين عبر الانترنت موجهتين لكاتب سياسي محلي حامل للدكتوراة دأب على وضع كل ما يملك من بيضات أفكاره في سلة واحدة وأخذ في تحليلاته يقسم الحلاوة على قد أسنان كبير الأمراء..!! الرسالتان القاسيتان المؤدبتان كانتا من تلميذين مخلصين في المعين الإسلامي لا يشك في معدنهما وتكشفان ما خفي عن عيون الكاتب الجهبذ وكان أعظم، وتجبراه في نفس الوقت على مراجعة منظومة اعتقاداته لكي يحافظ على الحد الأدنى من الموضوعية التي يجب أن يكون عليها مفكر ومحلل سياسي في حجمه..!! وللأسف فان الذي لا يراه وربما لا يحسه بعض أهلنا في الخارج أو حتى في الداخل هو أن حصار وموت مليون ونصف إنسان في غزة كأمر واقع بات تجارة رائجة لزعامات وتنظيمات وطنية و دينية..!! كل يحاول بطريقته وأبواقه وشطارته أن يكسب من دمنا ومعاناتنا نقاطا تقوي موقفه السياسي والتفاوضي والالتصاقي بكرسي الوجاهة..!! تجارة وطنية تسعى إلى استغلال معاناتنا من أجل ترجيح سيناريوهات السلام عبر أنا بوليس وشرم الشيخ وربما طابة وبالتالي إضعاف أمراء حماس القطاع في النهاية إلى عباس..!! وتجارة دينية تسعى إلى استغلال محنتنا من أجل فك عزلة القادة الربانيين وترسيخ وجودهم بوسائل دعم خارجية وداخلية عنكبوتية مالية و إعلامية قوية و ذكية ..!! أولها :توظيف فاعل لأثر العامل الديني على الشعب العربي المسلم خاصة وأنهم يقدمون أنفسهم على أنهم حصريا الناطقون الرسميون المخولون للحديث باسم الدين وباسم المقاومة وثانيها: إطلاق المزيد من الصواريخ البدائية قي مواجهة عدو متطور مع معرفة قوة وحجم الرد وهذا ما يريده وبسعى إليه الإسرائيليون والحمساويون معا كل حسب هدفه بغرض إحراج رام الله و الضغط اما لقبولها مصالحة لا تتنازل فيها حماس عن شيء أو لانخراطها في مفاوضات غير متكافئة مع إسرائيل تتخلى فيه مرغمة وسط حالة موات عربية ومباركة عالمية عن القدس وحق العودة..!!

وثالثها : إظهار غزة للعالم وأنها كلها حماس من خلال  افتعال نفيرات موجهة مع تغطية إعلامية واسعة تشارك فيها قنوات إخبارية متعاطفة..!!

مع ملاحظة –وهذه كلمة حق لامراء فيها- أن الجهاد وسراياه يقاومون.. ويحتسبون شهداء كثر محافظين على جلال الموقف دون ضجيج أو تحريض مسيس ..!!

 

إن من المضحك أن تدعي أطراف عديدة انها صاحبة الفضل  في عودة الوقود جزئيا إلى غزة..

ولا ندري أي "جميلة" من الجمايل نحمل على أكتافنا ..

جميلة حماس التي يعلن زعيقها الصامد ان هذا من بشائر التمكين و الانتصار..!!

أم جميلة عباس الذي يبلغنا باستمرار عن جهوده الحثيثة ومساعيه ..!!

أم جميلة مبارك وخادم الحرمين  و...و...

أم  جميلة ضغوط الأوروبيين.....!!

 

والحقيقة..كل الحقيقة أن غزة كلها ضد الحصار..تجوع ..تتألم.. تتظاهر ضد القهر المركب من الداخل والخارج على السواء..وترفض الغالبية الصامتة فيها أن تكون رأس مال التجار القدامى و الجدد ،أولئك الذين ارتكبوا ولا زالوا يرتكبون عشرات الأخطاء والخطايا يوميا في حقها بعيدا عن الاضواءو الإعلام..!!

وليسأل كل واحد من أهلنا وكتابنا الأفاضل في الخارج

عما يفعله أولئك في غزة ورام الله وكيف سمموا روح الإخوة في الأسرة الواحدة بدكاكينهم الإعلامية المحرضة..!!

اسألوهم عن  عشرات المعتقلين السياسيين في زنازينهم التي ورثوها عن الاحتلال..!!

اسألوهم عن مصير الصحفيين عمر الغول ومنير أبو رزق.. واسألوهم كذلك عن مصير الشيخ تحسين أبو كويك..!!

اسألوهم عن الممارسات اللا انسانية والقمع الصامت المنظم حتى للاعتصامات السلمية..!!

اسألوهم عن الممارسات والملاحقات المستمرة ضد الحمساويين في الضفة وبالمقابل ضد الفتحاويين في غزة..!!

 اسألوا عن التمزق والغربة الداخلية التي بات يعانيها الفلسطيني العادي والأشد فتكا وألما من الحصار..!!

إن على كل مفكر مستقل إلا يصمت على انتهاك الحريات واغتيال الديمقراطية والاستهانة بالمواطنة تحت أي مسمى وأن يحترم عقول  الآخرين و يعترف و لو بينه وبين نفسه أن حال  غزة حق أريد به باطل تدفع من خلاله ثمن صراع تجار متناكفين غاية في الأنانية والجشع .

ولهذا فإنني ارثي لحال بعض الكتاب والمفكرين العرب والمحليين الذين لم يكتووا لحظة بعذاب غزة..وهم يلقون بأنفسهم من جدار إلى جدار لسبب شخصى أو لآخر ويجعلون من أنفسهم أحيانا ملكيين أكثر من الملك..!! فليس كل ما يلمع ذهبا .. وعلينا أن نتبصر ما وراء الأكمة قبل أن نبدي إعجابنا بها ونغفل من فرط الحب عن أخطائها..!!

  فدفع النساء  للتظاهر أمام معبر رفح مثلا قد يكون وسيلة ناجعة لاستدرار العطف وتهييج المشاعر لتنفيذ الأغراض السياسية المطلوبة ولكنه كان خطأ ومغامرة غير محسوبة جيدا وتوثر سلبيا على العلاقة مع مصر وعلى إمكانية فتح المعبر مستقبلا..!!

كذلك تفجير الجدار الفاصل مع انه يبدو عملا عفويا وشعبيا دراماتيكيا الا أنه موجه بالريموت كونترول لإخراج قادة غزة من خانة اليك ولحل أزمة الحصار جزئيا ليوم أو يومين  وهو في اعتقادي لم يكن ليتم دون تفويت مصري رسمى تحت ضغوط الاحراجات المتلاحقة..!!

وهذه الخطوة التي تحدث للمرة الثانية على اختلاف الآراء حولها سوف يكون لها بالتأكيد ما بعدها وأول المتوقع رجوع  إسرائيل عن تزويد الوقود..!!

والسؤال : هل ستزودنا مصر حينئذ بما نحتاج أم سيعيدنا أولمرت كالدجاج إلى الخم من جديد ..؟!!

 

أقول

بالمنطق الملامس للواقع وبعيدا عن شحن العواطف واللعب على أوتار القلوب المنهكة والرجم المتسرع للآخرين بالخيانة والتخاذل والنفاق وما الى ذلك من كلام فاضي ..أعتقد - وهذه وجهة نظر قابلة للاختلاف و للمناقشة-

 

أن قيام إسرائيل تحت ضغط ما بإمداد غزة بالوقود جزئيا وربط ذلك بعدم إطلاق الصواريخ قد سحب بذكاء الورقة الجوكر في آخر لحظة من يد حماس ورفع الحرج الشديد ولو مؤقتا عن مصر وبالتالي ليس أمام حماس في الواقع إلا قبول استلام عباس للمعابر تمهيدا لمصالحة لابد منها بعد الرجوع عما جرى في حزيران وتبعاته وهذا مالا تتمناه إسرائيل ..ففيه نهاية لشهور السعادة التي قدمنا ها لها بأيدينا للأسف الشديد..!!

وباختصار..

من يرفض المصالحة الوطنية في هذه اللحظات العصيبة ويهرب إلى الأمام أو يلجأ إلى مؤتمرات وفعاليات تظاهرية تكرس الانقسام  لن يختلف مضمون موقفه  في رأيي عن موقف إسرائيل وان اختلف شكلا أو هدفا..!!

إن مقاومة الاحتلال وبشتى السبل حق مشروع ولا جدال فيه..ولكن في الظروف الحالية القاسية يجب أن نعيد النظر في إطلاق الصواريخ ونوقفها لمقتضيات المصلحة الوطنية في إطار هدنة أو ما شابه لأنها تكلفنا بالمقابل خسائر سياسية و بشرية مضاعفة هي اثمن وأغلى من أي كسب لتأثيرات  معنوية على العدو قد تحققها.

فالمصالحة باتت أكثر أهمية وإلحاحا من إطلاق الصواريخ ..بمعنى أن نرتب البيت أولا قبل أن نلجأ نهائيا وبقرار وطني موحد إلى خيار المقاومة أم المفاوضات..!!

وفي النهاية..    

 

أسالك اللهم أن تغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

 

السبت، ١٩ يناير ٢٠٠٨

أخي..فلتصالح

من عنوان قصيدة أمل دنقل الشهيرة " لا تصالح"والتي كتبها في مواجهة الاحتلال مستوحيا اياها من وصية كليب التراثية لأخيه المهلهل وهو يكتبها بدمه بعد أن طعنه جساس طعنة قاتلة غادرة
..
لاتصــالح

.ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك،

أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى..؟


أقول رغم كل الاحترام للشاعر الكبير والموروث عكس ما قالاه ،وأصرخ في كل الإخوة الشرفاء من فتح وحماس وبعالي الصوت "أخي فلتصالح " ولتمد يدك إلى أخيك فنحن جميعا في ظرف لا يحتمل المكابرة أو المناورة ويستحق منا أن نتنازل عن جراحاتنا وذكرياتنا المريرة من أجل وجودنا ومن أجل وطن هو أرفع وأعلى من كل أحقادنا و نعراتنا وأزلامنا..!!
ففي كل صباح ننعى حالنا بفعل أيدينا إلى الوطن المقهور وبصوت أمل دنقل :

أنَّ سيفانِ سيفَكَ

صوتانِ صوتَكَ

لم تكن قوافل الشهداء في الماضي والحاضر ولن تكون في المستقبل من أجل حماس أو فتح وإنما من أجل وطن عشقناه وأحببناه هو فلسطين..وعلينا أن نتذكر ذلك دائما..!! وعندما يقابل الشهيد وجه ربه لن يسأله الرب عن بطاقة الفصيل الذي ينتمى إليه ولن تنفعه أو تضيره مواكب التشييع ومهرجانات التأبين وزعيق الزاعقين وإنما يسأله رب العالمين إن كان قتل قبل الشهادة أخا بغير وجه حق ولماذا..؟!!
إن حماس وفتح والجبهة والجهاد و...و... ما هي إلا اجتهادات مقاومة كانت ولا تزال في مواجهة الاحتلال ويجب على كل عاقل ألا ينسى الحاكورة المسلوبة أو البيت المستباح لحساب خرقة ملونة مهما رفرفت هي بمقياس الزمن و التاريخ ..محطة عابرة في مسيرة طويلة..!! لقد مرت في حياة الشعب الفلسطيني على مدى العصور صراعات حزبية وفئوية مقيتة ومعارك جانبية تافهة ..كلها تبخرت بأسمائها ورموزها وحيثياتها ولم تعد تذكر..وبقيت فلسطين وحدها القلب والراية..!! أعود فاصرخ ثانية "أخي فلتصالح " وأنا أشاهد مع الناس الصور الفظيعة من المجازر المتواصلة التي يرتكبها الإسرائيليون ضدنا كل ساعة ..واهبب بكل فلسطيني شريف أن ينظر مليا إلى الدم النازف من الشهداء والجرحى ويجيب على أسئلة موجعة
هل استطاع أن يميز بين كرات دم حمساوية و أخرى فتحاوية..؟!! وهل القذيفة العبرية الموجهة بالليزر اقتنصت قلبا من كتائب القسام دون أخر من كتائب الأقصى..؟!! أليس من قتل أبو الفول هو نفسه الذي قتل سناكرة..؟!! إلام هذا النعيق الذي يزيد الفرقة بين الاخوة ويشحن القلوب بالبغض..؟!! أصرخ مرة ثالثة "أخي فلتصالح " لان حرب الأخوة كانت في الأساس خطيئة.. في حق وطننا وشعبنا ولم نجن منها إلا الخراب ونعيق الغربان .. ومهما كانت الأنانيات والطموحات مغرية فإنها كلها لا تساوي قطرة دم سالت من أخ على يد أخيه وكل مجد في الدنيا ليس
أقدس وأغلى من دم الإخوة..!!

أقلب الغريب كقلب أخيك ؟

أعيناه عينا أخيك ؟


قد يقول قائل: مالنا وكلام الانشا والقصائد هذا ..وأنا أقول أن المصالحة بين الإخوة وفي هذا الظرف الصعب باتت واجبا وطنيا واسلاميا ملحا..!! ومن يرفضها أو يسوفها أو يضع لها شروطا هو الخائن الحقيقي لهذا الوطن مهما كانت مبرراته ولا يستحق أن يكون فلسطينيا..!!
أصرخ مرة رابعة
"أخي فلتصالح " لان إسرائيل هي المستفيدة من القطيعة بين أبناء أم وأب..وهي تعيش شهر عسل سياسي لم تكن تحلم به فمن جهة تسعى إلى مفاوضة طرشاء لا نهاية لها مع الضفة ومن جهة أخرى تسعى لاصطياد من تريد في غزة قبل الانقضاض عليها نهائيا.. في ظل رعاية أمريكية كاملة و موت سريري عربي وإسلامي وبالتالي تصل إلى هدفها الذي تعتقد وهو التخلص من القضية الفلسطينية وبأقل ثمن ممكن..!! أصرخ مرة أخرى "أخي فلتصالح " ولتتوقف الحملات الإعلامية المشئومة والتي تخون وتلعن وتحرض وتكذب وتتاجر بدم الشهداء من أجل كسب فئوى رخيص ..؟!! ومديروها يعلمون علم اليقين أنهم إنما بذلك يخدمون الاحتلال أولا وأخيرا..!! إن البوادر الأخيرة التي جرت بين رام الله وغزة من تعزية عباس للزهار وزيارة وفد فتح برئاسة "أبو النجا "بالذات لذات الغرض والحديث عن مفاوضات سرية بين الاخوة..كلها تصب في الاتجاه الصحيح وتبدو ملائمة بعد ان بردت الرؤوس الحامية ..!! وعلى حماس أن تعيها جيدا و تلتقط الفرصة السانحة لقلب الصفحة ولاتضيعها بشروط مشعلية استفزازية..خاصة وان الأيام القليلة الماضية التي فقدنا فيها أكثر من 50 شهيدا قد أثبتت أن من يعول على العرب والعالم الاسلامى هو تماما كمن يعول على أمريكا وإسرائيل..فالنتيجة في كلا الحالتين هوالعبث و لن ينقذنا أحد من مصيرنا المجهول سوى تلاحمنا على هدف نخلص فيه للغاية وتتعدد من أجله الوسائل..!! لننظر جيدا الى انفسنا والعالم من حولنا ..لقد ظهرت صورتنا القبيحة على الملأ فكرهنا القريب قبل الغريب وتجاهلنا الصديق..ولم يعد لنا عشر ماكان لنا من احترام أيام الدرة وايمان حجو..!!واصبحت أخبار صراعاتنا المضحكة تبعث على الاسف والخيبة..!! إن التنازلات المتبادلة بين الإخوة أصحاب القضية الواحدة ليست عيبا وإنما العيب هو الإصرار على القطيعة وسوق الأعذار الواهية والسخيفة لاستمرارها ..والتي لن نتذكر منها إلا كل ما هو مؤلم ..!! وأقول لمن يظن ان الامر استتب له بدون أخيه ما قاله الشاعر

إن عرشَك : سيفٌ

وسيفك : زيفٌ

كفى بالموت أن يعيد للرؤوس صوابها كفى بالحزن ان يقرب النفوس ويرطب ما بها.. واني أدعو الله مخلصا بعد صوم عاشوراء أن يهدي الإخوة إلى مصالحة حقيقية تثلج الصدور وتعيد إلينا الأمل في النجاة مما يحاك ومما يدور..!! متابعة لابد منها : نمت على أمل أن اسمع خيرا طيبا عن لقاء قريب بين الأخوة لاستيقظ على من ينسف الأمل في اطار الحرب الاعلامية بعبوة ناسفة على شكل مؤتمر صحفي أعادتنا الى دائرة كليب وجساس من جديد..!!

السبت، ١٢ يناير ٢٠٠٨

لماذا كل هذا..؟!!

لماذا كل هذا..؟!!

 

سؤال قديم جديد يطل من عيون الفلسطينيين البسطاء الحائرين..ويختصر معاناتهم ومرارتهم وغربتهم المتواصلة جيلا يعد جيل..ومنذ قرن ونيف من الزمان..!!

سؤال بسيط ..ولكن إجابته الشافية الوافية  تحتاج إلى كثير من الصدق مع النفس وطهارة القلب ويلزمها موضوعية وتجرد يكفيان  لطمس الأهواء و النعرات القبلية والانتماءات اللونية ولو إلى حين  من أجل استشراف معمق للأسباب والنتائج وبدون هذا فإننا سنظل نراوح عبثنا وتفاهاتنا كطرشان يتصايحون و يتشاجرون في غرفة معتمة..!!

لماذا كل هذا..؟!!

ونحن أول من استيقظ من الشعوب على محنة عضال وهي تفترسه رويدا رويدا بدعم وتواطؤ من الغريب والقريب..

استعبدت أجدادنا "الجندرما" بالسياط..وعرفتهم طعم مفارقة الأحباب إلى المجهول مع  أول"سفربرلك " للسخرة..!!

عانوا الجوع  بشكل لم يسبق له مثيل وعوملوا في أغلب الاحيان كالبهائم..!!

جدي لم يجد لمقاومة جوعه   إلا نصف نعل كريب التهمه مشويا ..وجدتي باعت  خمس دونمات كاملة من أرضها مقابل رطلين من الذرة لتطعم حفيدها اليتيم..!!

هذا ليس مقطعا من فيلم هندي قديم  وإنما هو حقيقة ورثتها أهديها لمن لازالوا يحلمون بعودة الباب العالي إلى استانبول.

 

انهزم الأتراك بفعل فاعل ..وانقضى دلف أول احتلال في وعينا ليحل علينا مزراب لعنة بريطانيا العظمى بفضل أعوانها الذين باعوا كل شيء من أجل النياشين والقطائع والذهب.. وهكذا تسلمنا الخواجات الفاتحين غنيمة حرب..!!

الانجليزبدورهم.. سحبوا الأرض من تحتنا بهدوء وقدموها لليهود عبر وعد سري كشفه البلاشفة الملحدين لولاة العرب المؤمنين..!!

فاوضنا بريطانيا ..عبر وفود الحجيج إلى لندن ..فنلنا كتابا ابيض لم يساو  في حساب التاريخ خردلة..!!

قاومنا بما نملك من سلاح بدائي  ترسانة الظلم التي لم تكن تغيب عنها الشمس فسقط عز الدين القسام وفرحان السعدي وعطا الزير وفؤاد حجازي وآلاف مؤلفة من الأبرياء

ومع ذلك كنا كمن يغرق ببطء في رمال ناعمة !!

ثرنا على الانتداب عام36..وقدمنا الضحايا تلو الضحايا لنجد أن الصورة تتسرب من بين أصابعنا بسبب اجتهاداتنا المتعارضة وخصوماتنا الدائمة وعنترياتنا الفارغة ولم نتقدم شبرا نحو الحرية المنشودة..

ثم..

جاء قرار التقسيم..فرفضناه عاطفيا ولم نكن نعلم  أن القادم لا ينتظر أماني المخذولين بل يخبئ لهم ما هو أخطر..!!

هب العرب المتنافرون بهلاهيلهم المضحكة لنجدتنا في الوقت الخطأ وبالشكل الخطأ فالتقوا بتخلفهم  ومصائبهم وخياناتهم على تضييع ما تبقى من فلسطين بجدارة..

وكانت النكبة ..

نكبنا في الأرض والأهل على السواء..وتجرعنا ببطء شديد مرارة الهجرة واللجوء وعار التفريط.. في الخيام  وتحت القرميد ثم الاسبست  بردا وحرا..و عشنا على فتات الاونروا سنوات طويلة طويلة يحدونا الأمل بأن نعود..!!

غنينا للعودة..ودبكنا سنينا..ولم يبق من كل ذلك إلا الصدى

كانت إذاعاتنا العربية تحرر فلسطين كل يوم مائة مرة بأغان وطنيةعملاقة ومارشات عسكرية..!!

تعلقنا بعبد الناصر ..فخذلنا في حزيران..

رجونا خيرا من السادات فرجمنا بالضباب ثم المبادرة..

جربنا النزوح من غزة..إلى الوحدات إلى بيروت إلى تونس وفي كل مرة نلقى  المذبحة من نصيبنا..

كم أصابت بنادقنا باسم المقاومة..!!

وكم أخطأت..!!

بأيدي الأهل كما العدا..سال دمنا

أوجعنا كثيرا موال تل الزعتر.. وأوجعتنا أكثر عتابا صبرا وشاتيلا..ليستمر قدرناو نزف الخاصرة

إلى أن..

هبطت من السماء فجأة مهرة أسميناها الانتفاضة..وجهتنا إلى سلاح طاهر ..ساحر  اسمه الحجر..!!

استطعنا بدم الشهداء الطازج أن نعيد احترام العالم لنا..ولكن قادتنا سرعان ما امتطوها كل حسب طريقته  لتتحول الفكرة النبيلة إلى مجرد زعرنة..وتصفية حسابات..!!

 

فوجئنا تحت الاحتلال أن مدريد عاقر وأن أوسلو ولدت في الخفاء طفلا معوقا..

في غمرة فرح المفاوضين ..يبدو انهم نسوا  طلب مفاتيح الحوش الكبيرمن الناطور..!!

 

عاد  القادة المقاتلون إلى غزة وكأنهم في حلم.. فتخلوا بالتدريج تحت تأثير الزهو عن تواضع البندقية ليصبحوا  أخيرا أمراء وجلادين..!!

أطل الفلتان برأسه بعدما غادر رب العائلة..وأصبح في كل بيت زعيم..

 

الأخطاء.. ولدت خطايا ..وتحول الناس بالتدريج عن فظاظة الفرسان إلى وداعة الرهبان في أول انتخابات نزيهة..!!

تولى الربانيون الحكم ..وقد غلقت المعابر و الثغور وتفاقمت الأمور من فرط الكيد والعناد  والتربص والحسد..!!

لم يفرق القادة الجدد بين إدارة الجهاد و إدارة البلاد ..فانكشف النظري أمام العملي..وضاقت الصدور المحبطة..!!

ازداد الفلتان..وازداد الحصار فتبخرت الوعود ولم يبق إلا الحناجر وشعار بانتظار المهرجان..!!

في نكبة حزيران الثانية..

صحونا..لنكتشف  وبمرارة أن اليد اليمنى واليد اليسرى سواء ..فما أن ترتقي أحداهما ظهورنا للحكم حتى تتملكها الشهوة  ويقودها الانتقام..!!

نعم..

بعيون مفتوحة..وعدسات طبيعية وغير ملونة..

 لم يكن تاريخنا في قرن مضى  إلا انتقال من احتلال لاحتلال ..

ولكل احتلال أدواته ومريديه..وأعدائه ومعارضيه

هكذا هو تاريخنا المقيت بكل صدق  وشفافية..بعيدا عن مراجع الدكاكين وتجمل الوراقين..

لماذا كل هذا ..؟!!

لو كنا نملك قائدا معاصرا في ربع إخلاص شارون لإسرائيل لما وصلنا إلى هذا الحال..؟!!

لو كان قادتنا على قلب رجل واحد نحو القدس..لما بقيت ربابة كل دجال ومفلس..!!

نحن العرب  لم نأخذ من التاريخ إلا ميراث الخصومة والنزاعات وأيام القبائل..

انظروا إلى تاريخ العراق ..وكيف كانت نهايات حكامه المتتابعين بين سحل وشنق وقتل..!!

انظروا إلى تاريخ سوريا ..التي ضربت الرقم القياسي في الانقلابات..!!

انظروا الى صراع الديكة هنا بينما مخالب الرخ تتربص بالجميع ..!!

نحن العرب.. أمة المتاحف ..الامية تعشعش في عقول ثلث رجالها ونصف نسائها

نحن العرب.. لم نعرف من الشورى إلا اسمها ومن الديمقراطية إلا رسمها ولا نجيد سوى رفع العقيرة بالتخوين والذبح وإذكاء الفتنة..

نقوم يوميا ببلاغة منقطعة النظير  بتحرير مغتصباتنا من الأندلس و الاسكندرونة  إلى  أم الرشراش في دقائق بقصيدة ذرية أو بتصريح هيدروجيني.. أو بخطاب تاريخي غير منضب!!

نحن العرب ..نمارس هوايتنا الأثيرة في انتظار معجزة تعيد إلينا صلاح الدين أو الظاهر بيبرس

نحن العرب..نباهي الأمم بتخلفنا الأزلي فلا تزال أقدامنا في الماضي المجيد..وعقولنا تسبح في برزخ الفحولة وأجسادنا المستهلكة هي البصمة الواهية في المؤخرة.

ليس هذا جلد للذات كما قد يتصور بعض الغيورين..وإنما هو كشط صحي وضرورى للعفن الذي يلف حاضرنا ويهدد مستقبلنا

لقد أضعنا نحن المسلمين والعرب ..أعدل قضية..!! لأننا ببساطة كنا ولازلنا أسوأ محامين ..!!

بعد كل ما أسلفت وهو غيض من فيض هل عرفتم..أيها القراء

لماذا كل هذا..؟!!

الجمعة، ٤ يناير ٢٠٠٨

ليلة القبض على 43

ليلة القبض على 43..!!

  

لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يكذب ما رأيته بعيني..في ليلة فلسطينية ليلاء اجتمع فيها الحزن والفرح والألم والتاريخ والظلمة والألعاب النارية والرصاص والهراوات والموت..!!

ليلة انغرست عميقا في الذاكرة بأنياب المفارقة الحادة..واللامتوقع..عبر متواليات لأحداث حقيقية سجلتها كاميرتي الخاصة المثبتة في الرأس والتي لا يمكن إتلاف شريطها إلا بإتلاف أنسجة وخلايا حية ..!!

هذا هو السيناريو  الخاص لليلة القبض على راية أعرضه على القراء بكل تجرد وحيادية، فمن شاء فليصدق  ومن شاء فليكذب..كل حسب ما يحلو له من التأويل والتعليل لحقيقة  عشتها وعاشها معي الكثيرون

 

4:50

أنصت وركاب السيارة العائدة.. إلى أذان صلاة المغرب ..ثم سألني السائق الفتحاوي عن سبب انقباضي..فهمست متنهدا :يا رب هالليلة تمر على خير..!! فقال الجميع بنبره وحدة وطنية عفوية..يا رب..!!

تذكرت ما حدث البارحة مع العائلة في المخيم حيث داهمت قوات مسلحة ملثمة وسافرة البيوت لالقاء القبض على الرايات الصفراء..وللمفارقة المؤلمة بل الصاعقة أن يكون المهاجمون والمدافعون من نفس العائلة..!!

وكان من نتائج هذه الغزوة العظيمة المباركة أن أصيب أخي بكدمات بسبب رفضه تفتيش المنازل على الطريقة الإسرائيلية وحرصا على الحريم..!!

كنت لا أزال تحت تأثير  صدمة..أن تهاجم بيوتنا ويهتك ستر نساءنا وتطلق النار على أقدامنا ممن كنا نعتبرهم قبل لحظات ابناء وأقرباء وجيران وأصدقاء..!!

 

   5:-

 

بلغني أن أحداثا صعبة جديدة تدور الآن في الحارة..فانطلقت مسرعا ووصلت موقع الحدث لأجد أن مداهمة ثانية أعنف وأشد قد تمت ، وقد أطلق المهاجمون النار فاصيب فتى في فخذه واعتقلوا أربعة شبان مستعينين على ذلك  بتقنية "المرشد الملثم" ..!! وأن ابن أخى الذي لم يتحمل منظر الاعتداء على أبيه فدافع عنه غريزيا بقبضته قد تلقى بالمقابل ضربا تعاونيا مبرحا من خمسة أشاوس ..ليفر بمعجزة وبفضل تغطية عفوية من نساء و حجارة الحارة ....!!

 

حاولت تهدئة الوضع  بطلب المزيد من الصبر أحيانا وبالنكتة أحيانا أخرى ..فعائلتنا الخاملة قد ظهرت أخيرا على الشريط الإخباري..!!

 

6:-

 

غادرت المكان ..لألحق بصلاة العشاء..ثم توجهت بعدها إلى دكان الفواكه والخضار  فاشتريت على عجل وباصرار غريب كوكتيلا وحدويا من الفلفل الأصفر والباذنجان الأسود والفجل الأحمر والبصل الأخضر لزوم الاحتفال ب"الحمصيص" الوطني الفلسطيني..!!

 

6:25

في طريقي الى البيت انطلقت فجأة الألعاب النارية  لتبدد الظلام من حولي ..واندلعت تهاليل وهتافات وزغاريد وأغان وطنية..وعندما وصلت تقاطع مبنى الهلال مخترقا جمهرة من المحتفلين وإذا بمن حولي يفرون فجأة وقبل أن أدرك حقيقة ما جرى كانت جيبات التدخل السريع قد اقتحمت المكان وانزلق بخفة الفهود من بداخلها بخوذهم وعتادهم الكامل وسط إطلاق نار كثيف..

لا أدري لم خطرت ببالي في تلك اللحظة صورة "رامبو"  وصور المقتحمين من لواء جولاني ..!!

ما أشبه الليلة بالبارحة..!!

قبل سنوات عديدة ..وفي نفس الليلة..وفي نفس المكان ورغم منع التجول عشنا نفس اللحظة..!!

 

لفني الخوف ..رصاصة  تئز قرب أذني..تشهدت.. هاتف داخلي قال لي : كن طبيعيا ..سر كما أنت ..اقرأ أية الكرسي .. ذهبت فيما يشبه الغيبوبة  وأنا لا أزال أسمع أصوات وقع الهراوات ومؤخرة السلاح على رؤوس وأجساد من أمسكوا بهم ..سمعت صوت عظام تتكسر وصرخة مكتومة..

أحسست بلكزة قوية تخترق ظهري يتبعها صرخة"خذ يا بن الكلب "..!!

توقف تنفسي ..تنهدت عميقا..نظرت إلى أمام..

هناك على الطرف المقابل من الشارع هتف الأطفال المتحفزون:شيعة..شيعة..!!

 

كانت لحظات مفزعة ..ثقيلة..بطيئة..مرت على عنقي.. خطواتي تتراخى وتطأ شيئا  لزجا.. انحنيت..تحسست بأصابعي ..شممت..فهمت..أني عشت مذبحة صغيرة وقد كتب الله لي عمرا جديد .. فحمدت الله وحمدته أكثر لأن وحدة الخضار الوطنية معي لازالت بخير..!!

 

6:35

 

واصلت طريقي..هدأت أنفاسي قليلا..وجدتنى أسير  دون أن انتبه بين صفين من الشموع وبعض  الشباب يتهامسون.. سالت منى دمعة نافرة ..مسحتها بيدي..يبدو أن منظر الشموع يوحي بالحزن والأمل معا..

ضحكت بمرارة وأنا اسمع صوتين متعاركين في عمارة واحدة أحدهما يغني "حمساوي مابهاب الموت حمساوي..!!" بينما الاخر يغنى " ياصناع الفتن..حلوا عن هالوطن ..!!"

 

6:45

 

وصلت البيت.. بدأ تفكيري يستعيد حيويته ..وبدأت التساؤلات تنهمر كالمطر..

ترى من هذا العبقري الذي أشار باعتقال راية في ليلة عيدها..؟!!

ترى هل حسب المحاسبون الأذكياء جدا  فواتير الربح والخسارة جيدا..؟!!

ترى..هل استفاد الخاطئون من خطاياهم السابقة..؟!!

الحقيقة لا..

تناولت الحمصيص مع الأسرة على ضوء شمعة.. ولم أذق له طعما فعيني وقلبي كانا معلقين بشريط الجزيرة وهو يبلغنا سقوط ستة..بل سبعة ضحايا بنيران صديقة..عدا عشرات من الجرحى..!!

في الصباح..

تابعت الشريط لأقرأ عن مقتل 250كينيا في صراع أكثر على السلطة بين كيباكي واودينغا

فحمدت الله  أنني لازلت أعيش في غزة رغم حلق شوارب أبو النجا في أول ساعات 2008 ثـأرا للحية الزهارفي1995،ورغم وجبات الفلكة الساخنة وعمليات التجميل الخرافية ..ورغم السعر المرتفع في حالات عديدة لفاتورة الخروج من منتجعات التأديب والتهذيب والذي وصل إلى ألف شيكل.. عدا المناظر الأخاذة عقب الاقتحامات من تخريب  وحرق ومصادرة..!!

أحد النزلاء قال لي أن مدمنا وتاجرا للكوك عيره بأن  قضيته أخطر من المخدرات وبالطبع عومل معاملة أفضل..!!

ونزيل أخر قال لي وأنا أتأمل البقع الزرقاء على قدميه  أن عامل نظافة في منتجع الملثمين اعتقل لمدة أيام لمجرد أنه كان يهون على النزلاء آلامهم ..!!

يا الهي..

لم أكن أتصور أن تصل الأمور ببعضنا إلى هذه الدرجة من الغل والحقد والكراهية..!!

أنا أعرف ان قنوات مجاري تحريضية..بشرية وفضائية كثيرة تصب في هذه بحيرة  سوداء نتنة ..ترعى نار الفتنة وتعمق الجراح..

وأعرف أن بعضنا باتوا يزايدون على طباع اليهود غدرا وقسوة..

وأعرف أننا مبتلون بلعنة القبائل.. لمصلحة رؤيا"الحرب الأهلية"التي صرح بها شارون عند خروجه من غزة..!! 

 في تلك اللحظة بالذات..تخيلت كل المعتقلين في غزة..ورام الله ..وإسرائيل لم أر ولم اسمع بعدها أي شيء..

صحوت على قصف القرارة ومجزرة أل فياض..وأمسيت على قصف رفح وصورة" قشطة "الذي قضى مكبلا..معصوب العينين..!!

يالله..

أسألك وأنا عبدك..لماذا يفعل الأخ بأخيه كل هذا..اذا كانت هي لله..هي لله؟!!

تذكرت..مقولة لغوار في مسرحية غربة "انا ما ببكي من الضرب..أنا ببكي لأنو أخي اللي عم بيضربني.."

ابتسمت..ثم بكيت..!!.